إسرائيل وإيران- صراع إقليمي يتصاعد وأهداف تتجاوز غزة ولبنان.

المؤلف: وائل علوان10.07.2025
إسرائيل وإيران- صراع إقليمي يتصاعد وأهداف تتجاوز غزة ولبنان.

لم يعد بالإمكان تفسير الأحداث التي أعقبت السابع من أكتوبر 2023 على أنها مجرد مناوشات عسكرية أو إجراءات أمنية اعتيادية بين الأطراف المتنازعة. فالصراعات الضارية التي تشهدها غزة، وتبادل القصف في لبنان، والتصعيد المتزايد الذي ينذر بحرب شاملة مدمرة، بالإضافة إلى محاولات التوغل البري، كلها تشير بوضوح إلى معركة محتدمة بين قوتين رئيسيتين هما إيران وإسرائيل، وهي معركة قابلة للتوسع لتشمل المنطقة بأسرها.

كانت إسرائيل قاب قوسين أو أدنى من إعلان إنجاز مشروع التطبيع العربي الشامل، الذي كانت تتفاوض بشأنه مع دول محورية في المنطقة، بهدف التوصل إلى اتفاق تاريخي يحقق مكاسب محدودة للفلسطينيين. إلا أن هجوم حركة حماس المباغت، "طوفان الأقصى"، جاء ليطيح بهذا المشروع السياسي الإسرائيلي الطموح، إن لم يكن ليدمره تدميراً. وتؤمن تل أبيب بأن طهران وحلفاءها هم العقل المدبر والمحرض والداعم الرئيسي وراء جميع هذه التطورات.

في المقابل، كانت إيران تسعى جاهدة لإحياء طموحاتها النووية عبر وساطة فرنسية مع الولايات المتحدة الأمريكية، في مسار من المفاوضات سعت طهران بإصرار إلى إبقائه معزولاً عن تداعيات وتأثيرات حرب غزة. كما حرصت على تسريع وتيرة هذه المفاوضات قبل الانتخابات الأمريكية الحاسمة أواخر عام 2024، والتي قد تشهد عودة الجمهوريين إلى الرئاسة في البيت الأبيض، الأمر الذي قد يعقد الأمور بشدة، أو ينهي الوساطات ويطيح بالملف النووي برمته.

ولم تتوانَ إسرائيل في التفكير ملياً في كيفية الانتقام من إيران التي أفشلت مشروع التطبيع العربي، فضلاً عن خشيتها من عودة الاتفاق النووي الذي أبرم عام 2015 في عهد الرئيس الأمريكي الديمقراطي باراك أوباما، قبل أن ينسحب منه الرئيس الجمهوري دونالد ترامب عام 2018.

حرب غزة.. كيف تعاملت إسرائيل مع المأزق؟

سعت حكومة نتنياهو جاهدة لاحتواء الأزمة وتقليل الخسائر الداخلية، لكنها لم تسعَ إلى حلها جذرياً، بل على العكس تماماً، خططت لاستغلالها وتأجيجها عبر إطالة أمدها وتوسيع نطاقها، لتنقلب بذلك المؤامرة عليها، وتضمن أن يكون مستقبل المنطقة محكوماً بالتطبيع، وأن يمر أكثر من عام من حكم الديمقراطيين في واشنطن دون التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران.

عملت إسرائيل بدأب على إطالة أمد الحرب الدائرة في غزة، واستخدمت القوة المفرطة بشكل وحشي، لتراق الدماء وتتناثر الأشلاء الفلسطينية في كل مكان. وعلى الرغم من وجود العديد من المبادرات التي قدمت مكاسب جمة لحكومة نتنياهو وأضرت بخصومها، فقد رفضها رئيس الوزراء الإسرائيلي، وسعى لتحويل ملف الأسرى الإسرائيليين من أداة ضغط على حكومته إلى ذريعة واهية لتبرير استمرار العدوان وتوسيع رقعته.

استفزاز إيران وجرها إلى الحرب

تبنت إيران شعار "الصبر الاستراتيجي"، وحذا حلفاؤها في محور المقاومة حذوها، إلا أن هذا المبدأ ربما منح إسرائيل فرصاً ثمينة، حيث تجاوزت تل أبيب قواعد الاشتباك التي تم ترسيخها في المواجهات السابقة، وبدأت ضرباتها تتخطى الخطوط الحمراء بشكل صارخ. فقامت بقصف السفارة الإيرانية في دمشق، واغتيال قادة بارزين في الحرس الثوري الإيراني في سوريا، وتنفيذ عمليات تخريبية في لبنان، وتسريع وتيرة التصعيد ليصل إلى اغتيال قيادات رفيعة المستوى في حزب الله.

تحلت إيران بضبط النفس رغم الضغوط الإسرائيلية المتزايدة عليها، وتحملت استياء حلفائها من صمتها المطبق، ربما كانت إيران تسعى للوصول إلى الاتفاق النووي بأي ثمن، وقامت بتخفيف شروطها مع ضيق الوقت واقتراب الانتخابات الأمريكية. وكادت المفاوضات أن تكلل بالنجاح، وربما كان هذا هو الدافع الرئيسي وراء قرار إسرائيل ببدء الحرب في لبنان.

الرهان على الموقف الأميركي

توقعت إيران أن تنجح الولايات المتحدة وإدارتها الديمقراطية في لجم جماح نتنياهو، ومنعه من توسيع نطاق الحرب، لكن هذا لم يحدث على الإطلاق. فقد نجحت إسرائيل في الضغط على الإدارة الديمقراطية في واشنطن لتكون داعمة بشكل كامل لعملياتها العسكرية، التي كانت تتوسع وتتجاوز كل الحدود المتعارف عليها شمالاً وجنوباً.

الإدارة الأمريكية لا يسعها إلا أن تنحاز إلى جانب إسرائيل وتدعمها بكل قوة، متأثرة باللوبي الصهيوني المتغلغل في مفاصل المجتمع الأمريكي، وطمعاً في الحصول على أصوات اليهود الأمريكيين في الانتخابات الرئاسية القادمة. كما أن الإدارة الديمقراطية لن تتمكن من إبرام أي اتفاق مع إيران طالما أن الحرب لا تزال مستعرة في المنطقة، خاصة وأن هناك معارضة قوية لهذا الاتفاق داخل أروقة الاستخبارات والبنتاغون.

إلى أين ستمضي إسرائيل؟

وجد نتنياهو في مجريات الحربين في غزة ولبنان فرصاً ذهبية، زادت من تعطشه لاستمرار الحرب وتوسيع نطاقها: فرصاً على مستوى استعراض القوة وكسب التأييد الداخلي الإسرائيلي، وأخرى على مستوى كسر شوكة كل من يقف في وجه التطبيع العربي مع إسرائيل، بدءاً من حماس ووصولاً إلى حزب الله، حيث يؤثر الوضع الفلسطيني على موقف بعض الدول، بينما يؤثر وضع الحزب على موقف النظام السوري الذي من المتوقع أن يكون انخراطه في التطبيع بوساطة روسية إحدى ثمار الحرب بالنسبة لتل أبيب.

كذلك استفادت إسرائيل أيما استفادة من الخسائر الفادحة التي تكبدتها إيران على مختلف الأصعدة، وكان أشدها وطأة في بنية حلفائها في لبنان وفلسطين، وتراجع الدور التفاوضي الذي كانت تكسبه طهران من تحريك أذرعها خارج حدودها.

كل هذه المعطيات تجعل إسرائيل بقيادة نتنياهو ترسم خططاً جديدة للمضي قدماً في مشروع الاجتياح البري في لبنان، ولكن مع التقليل قدر الإمكان من الخسائر، خاصة وأن الوقت يصب في مصلحتها وليس العكس. كما يجعله يتجاوز الإطار التقليدي في التفكير بأمن إسرائيل ومستوطناتها إلى التفكير في إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط وتوازناتها وتحالفات قواها السياسية والعسكرية، وربما يبدأ هذا، حسب اعتقاده، بتوجيه الضربات بشكل مباشر إلى العمق الإيراني، وليس فقط إلى وكلائها المحليين في الدول العربية.

ختامًا.. متى ستنتهي الحرب؟

إلى جانب تحقيق الأهداف الميدانية الحاسمة، هناك عامل رئيسي وحاسم يحدد مصير الحرب الدائرة، ألا وهو نتائج الانتخابات الأمريكية المزمع إجراؤها أواخر عام 2024، والملامح الأولية للسياسات الخارجية التي ستتبناها الإدارة الأمريكية الجديدة التي ستتسلم مهامها مطلع عام 2025.

يمكن هنا تصور سيناريو متفائل يتناسب مع احتمال فوز هاريس، كما يحلم النظام الحاكم في إيران، أو سيناريو متشائم يتناسب مع احتمال فوز ترامب، كما تتمنى حكومة إسرائيل.

من المتوقع أن تتخلى الإدارة الأمريكية الديمقراطية، في حال فوز هاريس بمنصب رئيسة الولايات المتحدة، عن مواقفها الداعمة بشكل كامل لتوسيع الحرب وزيادة وتيرة العنف على النحو الذي يتبناه نتنياهو. لن تتخلى الولايات المتحدة عن أمن إسرائيل والشراكة الاستراتيجية معها، لكن الإدارة الديمقراطية لن تكون بعد فوزها بالانتخابات تحت وطأة الضغوط الهائلة، وبالتالي لن تدعم نتنياهو في جميع قراراته بشكل أعمى كما هو حاصل الآن.

ومع ذلك، ستواصل إسرائيل العمل بدأب على إطالة أمد العمليات العسكرية الجوية والبرية التي من شأنها أن تحقق أهدافها الميدانية المرجوة، وتحول دون الوصول إلى اتفاق نووي إيراني أمريكي على المستوى السياسي.

بينما من المتوقع أن تدعم الإدارة الأمريكية الجمهورية، في حال فوز ترامب بمنصب رئيس الولايات المتحدة، تحقيق إسرائيل لأهدافها الميدانية والسياسية بشكل كامل دون الحاجة إلى مواصلة الحرب إلى ما لا نهاية، إلا بالقدر الذي تقتضيه ضرورة تحقيق هذه الأهداف. أي لن يعود إطالة أمد الفوضى والعنف هدفاً بحد ذاته لحكومة نتنياهو كما هو الآن، ولن يكون الخوف من إبرام الاتفاق النووي عاملاً ضاغطاً على إسرائيل المدعومة بقوة من الولايات المتحدة لإنهاء الحرب وجني ثمارها.

إسرائيل هي قوة احتلال موصومة بالانتهاكات والتجاوزات الجسيمة قبل الحرب وأثنائها وبعدها، وقد تكون إيران قد استنفدت بصبرها الاستراتيجي موارد حلفائها وشركائها المحليين، الذين سيحتاجون إلى وقت وجهد كبيرين للوقوف على أقدامهم من جديد. وقد يفسح هذا المجال أمام القوى الأخرى المناوئة لمحور المقاومة والمنخرطة بشكل أو بآخر في التطبيع مع إسرائيل أو الحياد تجاهها، لتوسيع نفوذها وتعزيز مكانتها السياسية والمجتمعية.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة